سورة الحجر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11)}
تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي كما فعل بك هؤلاء المشركون فكذلك فعل بمن قبلك من الرسل.


{كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)}
قوله تعالى: {كَذلِكَ نَسْلُكُهُ} أي الضلال والكفر والاستهزاء والشرك. {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} من قومك، عن الحسن وقتادة وغيرهما. أي كما سلكناه في قلوب من تقدم من شيع الأولين كذلك نسلكه في قلوب مشركي قومك حتى لا يؤمنوا بك، كما لم يؤمن من قبلهم برسلهم.
وروى ابن جريج عن مجاهد قال: نسلك التكذيب. والسلك: إدخال الشيء في الشيء كإدخال الخيط في المخيط. يقال: سلكه يسلكه سلكا وسلوكا، أسلكه إسلاكا. وسلك الطريق سلوكا وسلكا وأسلكه دخله، والشيء في غيره مثله، والشيء كذلك والرمح، والخيط في الجوهر، كله فعل وأفعل.
وقال عدى بن زيد:
وقد سلكوك في يوم عصيب ***
والسلك بالكسر الخيط. وفى الآية رد على القدرية والمعتزلة.
وقيل: المعنى نسلك القرآن في قلوبهم فيكذبون به.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة القول الذي عليه أكثر أهل التفسير، وهو ألزم حجة على المعتزلة. وعن الحسن أيضا: نسلك الذكر إلزاما للحجة، ذكره الغزنوي. {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} أي مضت سنة الله بإهلاك الكفار، فما أقرب هؤلاء من الهلاك.
وقيل: {خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} بمثل ما فعل هؤلاء من التكذيب والكفر، فهم يقتدون بأولئك.


{وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}
يقال: ظل يفعل كذا، أي يفعله بالنهار. والمصدر الظلول. أي لو أجيبوا إلى ما اقترحوا من الآيات لاصروا على الكفر وتعللوا بالخيالات، كما قالوا للقرآن المعجز: إنه سحر. {يَعْرُجُونَ} من عرج يعرج أي صعد. والمعارج المصاعد. أي لو صعدوا إلى السماء وشاهدوا الملكوت والملائكة لاصروا على الكفر، عن الحسن وغيره.
وقيل: الضمير في {عَلَيْهِمْ} للمشركين. وفى {فَظَلُّوا} للملائكة، تذهب وتجيء أي لو كشف لهؤلاء حتى يعاينوا أبوابا في السماء تصعد فيها الملائكة وتنزل لقالوا: رأينا بأبصارنا ما لا حقيقة له، عن ابن عباس وقتادة. ومعنى {سُكِّرَتْ} سدت بالسحر، قاله ابن عباس والضحاك.
وقال الحسن: سحرت. الكلبي: أغشيت أبصارنا، وعنه أيضا عميت. قتادة: أخذت.
وقال المؤرج: دير بنا، من الدوران، أي صارت أبصارنا سكرى. جويبر: خدعت.
وقال أبو عمرو بن العلاء: {سُكِّرَتْ} غشيت وغطيت. ومنه قول الشاعر:
وطلعت شمس عليها مغفر *** وجعلت عين الحرور تسكر
وقال مجاهد: {سُكِّرَتْ} حبست. ومنه قول أوس بن حجر:
فصرت على ليلة ساهرة *** فليست بطلق ولا ساكره
قلت: وهذه أقوال متقاربة يجمعها قولك: منعت. قال ابن عزيز: {سُكِّرَتْ أَبْصارُنا} سدت أبصارنا، هو من قولك، سكرت النهر إذا سددته. ويقال: هو من سكر الشراب، كأن العين يلحقها ما يلحق الشارب إذا سكر. وقرأ ابن كثير {سكرت} بالتخفيف. والباقون بالتشديد. قال ابن الاعرابي: سكرت ملئت. قال المهدوي: والتخفيف والتشديد في {سُكِّرَتْ} ظاهران، التشديد للتكثير والتخفيف يؤدي عن معناه. والمعروف أن {سكر} لا يتعدى. قال أبو على: يجوز أن يكون سمع متعديا في البصر. ومن قرأ {سكرت} فإنه شبه ما عرض لأبصارهم بحال السكران، كأنها جرت مجرى السكران لعدم تحصيله. وقد قيل: إنه بالتخفيف من سكر الشراب، وبالتشديد أخذت، ذكرهما الماوردي.
وقال النحاس: والمعروف من قراءة مجاهد والحسن {سكرت} بالتخفيف. قال الحسن: أي سحرت. وحكى أبو عبيد عن أبى عبيدة أنه يقال: سكرت أبصارهم إذا غشيها سمادير حتى لا يبصروا.
وقال الفراء: من قرأ {سكرت} أخذه من سكور الريح. قال النحاس: وهذه الأقوال متقاربة. والأصل فيها ما قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى، قال: هو من السكر في الشراب. وهذا قول حسن، أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشى السكران ما غطى عقله. وسكور الريح سكونها وفتورها، فهو يرجع إلى معنى التحيير.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8